الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة ما يروى من الكرامات: قال محمد بن رشد: ما فعل الرجل من إصلاح الشاة كيلا تفسد فلا ينتفع بها إن تركت حسن من الفعل يؤجر عليه فاعله عليه؛ لأنه يصير بإصلاحها لهم قد أطعمهم إياها. وأما انتباهه وعنده الرطب فذلك- إن صح- كرامة له. وكرامات الأولياء يصدق بها أهل السنة لجوازها في العقل، والعلم بوجودها في الجملة من جهة النقل المتواتر وإن لم يثبت شيء منها بعينه تواترا في جهة ولي من الأولياء في غير زمن النبوءة، وبالله التوفيق. .مسألة ذكر بعض ما جرى يوم الحرة: قال محمد بن رشد: قد مضى ذكر يوم الحرة وما جرى فيه في رسم نذر من سماع ابن القاسم فأغنى ذلك عن إعادته، وبالله التوفيق. .مسألة استئذان عمر رضي الله عنه عائشة رضي الله عنها في أن يدفن مع النبي: قال مالك: قال عمر بن الخطاب حين حضرته الوفاة: إني كنت استأذنت عائشة إذا مت أن أدفن في بيتها فقالت: نعم، وإني لا أدري لعلها قالت ذلك من أجل سلطاني، فإذا مت فاسألوها ذلك، فإن قبلت فادفنوني فيه، وإن أبت فانصرفوا بي. قال مالك: بلغني أن عائشة كانت تدخل البيت الذي فيه قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر حاسرة، فلما دفن فيه عمر لم تكن تدخله إلا جمعت عليها ثيابها. قال محمد بن رشد: ليس في استئذان عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لعائشة في أن يدفن في بيتها معنى يشكل لأنه بيتها، فلو منعت من ذلك لكان حقا من حقها، وإنما لم تكن تدخل البيت منذ دفن فيه حاسرة لما جاء به القرآن وتواترت به الآثار من أن الأرواح لا تموت بموت الأجسام، وأن الأجسام هي التي تموت بقبض الأرواح منها وهي الأنفس والنسم. قال الله عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] وقال: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر: 27] {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 28] {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 30] وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه». وقال: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال له هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة». وقد جاء في الأرواح أنها باقية في القبور وأنها تطلع رؤوسها، وأن أكثر إطلاعها يوم الخميس وليلة الجمعة وليلة السبت. فلما لم تأمن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن تكون روح عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بفناء قبره في الوقت الذي تدخل البيت، لم تدخله إلا وقد جمعت عليها ثيابها. وهذا منها نهاية في الورع والتوقي، وليس بلازم؛ لأن الستر إنما يلزم من الأحياء في الدنيا حيث أمر الله به، لا من أرواح الموتى، وبالله التوفيق. .مسألة ما ذكر من ترك الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والقول عليه في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. .مسألة اغتباط الرجل بما يصيبه مما يؤجر عليه: قال محمد بن رشد: يريد بقوله في هذا الأمر بث العلم أن يصدع بالحق فيه وإن كره ذلك المقول له من الأمراء حتى يصيبه من قبله مكروه وأذى؛ لأن الذي يصيبه في ذلك هو خير ساقه الله إليه. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من يرد الله به خيرا يصب منه» وبالله التوفيق. .مسألة في أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول من تنشق عنه الأرض: قال محمد بن رشد: كذا وقع هنا هذا الحديث محذوفا، وكماله على ما خرجه البخاري من رواية أبي هريرة قال: «استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال المسلم والذي اصطفى محمدا على العالمين، في قسم يقسم به، وقال اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم عند ذلك يده فلطم وجه اليهودي فذهب اليهودي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فقال لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون فأكون أول من أفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله.» وفي غير هذا الحديث: «فلا أدري أصعق فيمن صعق أم أخذته الصعقة الأولى». وفي غيره: «فلا أدري أحوسب بالصعقة التي صعقها أم أفاق قبلي» ويريد بقوله في الحديث فإن الناس يصعقون أي يموتون بالنفخة الثانية، وهي نفخة الصعق؛ لأنها ثلاث نفخات: نفخة الفزع، قال الله عز وجل: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87]، والنفخة الثانية نفخة الصعق، قال الله عز وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68]؛ والنفخة الثالثة نفخة البعث، قال الله عز وجل: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68] فيموت بالنفخة الثانية نفخة الصعق كل حي من الإنس والجن وغيرهم وروح كل ميت إلا من شاء الله. وقد اختلف في هذا الاستثناء فقيل المراد به أرواح الشهداء إذ لا يفزعون في النفخة الأولى ولا يموتون في النفخة الثانية، وقيل المراد به جبريل وميكائيل وملك الموت، روي ذلك كله عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم يأمر الله عز وجل ملك الموت فيقبض روح ميكائيل، ثم يقول لملك الموت مت فيموت، ثم لجبريل مثل ذلك. وقد قيل إن المستثنى في نفخة الفزع أرواح الشهداء، وفي نفخة الصعق جبريل وميكائيل وملك الموت. وقوله في الحديث: «فلا أدري أكان فيمن صعق وأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله» فمعناه فلا أدري أكان روحه فيمن صعق إذ قد مات قبل النفخ في الصور. وصعقة موسى الأولى التي شك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون جوزي بها في صعقة النفخ هي صعقة الطور، إذا سأل ربه أن يريه النظر إليه فقال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} [الأعراف: 143] الآية إلى قوله: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143]. وقد اختلف في هذه الصعقة فقيل إنه غشي عليه ثم أفاق، وقيل بل مات ثم رد الله عز وجل عليه روحه، والله أعلم، وبالله التوفيق. .مسألة سيرة عمر رضي الله عنه في قسم المال: قال محمد بن رشد: ابن الأرقم هذا هو عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث القرشي الزهري، كان على بيت المال لعمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مدة خلافته كلها، وسنين من خلافة عثمان حتى استعفاه فأعفاه. أسلم عام الفتح، وكتب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبلغ من أمانته عنده أنه كان يكتب عنه إلى بعض الملوك فيأمره أن يطينه ويختمه وما يقرؤه عليه لأمانته عنده. وروي أنه ورد على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاب فقال: من يجيب عني فقال عبد الله بن الأرقم أنا، فأجاب عنه وأتى به إليه فأعجبه وأنفذه. وكان عمر حاضرا فأعجبه ذلك منه وقال أصاب ما أراد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يزل ذلك له في نفسه حتى ولي فاستعمله على بيت المال، وكتب أيضا لأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وبالله التوفيق. .مسألة القصاص للعبد من سيده: قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، والحمد لله وبه التوفيق لا شريك له. .مسألة قول القاسم بن محمد في سعيد بن المسيب: قال محمد بن رشد: إقرار القاسم بن محمد لسعيد بن المسيب بالتقدم والخير خير منه وفضل، فلا يعرف الفضل لأولي الفضل إلا أهل الفضل، وبالله التوفيق. .مسألة الدجالين الذين يبعثون قبل الساعة: قال محمد بن رشد: قوله حتى يبعث دجالون، معناه حتى يبعث على الناس ابتلاء لهم واختبارا. وفي غير هذا الحديث حتى «يخرج ثلاثون دجالا كذابا كلهم يكذب على الله ورسوله أحدهم الأعور الدجال ممسوح العين كأنها عنبة طافية.» وهذا بين في المعنى، رواه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمرة بن جندب. وقد روي عن أبي بكرة أنه قال: «أكثر الناس في شأن مسيلمة الكذاب قبل أن يقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه شيئا، ثم قام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الناس فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله ثم قال أما بعد في شأن هذا الرجل الذي قد أكبرتم في شأنه فإنه كذاب من ثلاثين كذابا يخرجون قبل الدجال، وإنه ليس بلد إلا يدخله رعب الدجال إلا المدينة على كل نقب من أنقابها يومئذ ملكان يذبان عنها رعب المسيح.» ولم يذكر في هذا الحديث أنهم دجالون كما قال في الحديث الذي قبله، فيحتمل أن يكونوا غيرهم، ويحتمل أن يكونوا هم، وصفهم في الحديث الأول بالدجل لأنهم في كذبهم كالدجال في كذبه، ولم يصفهم به في الحديث الثاني، وبالله التوفيق. .مسألة مشي عيسى ابن مريم على الماء: قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والكلام عليه في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم فغنينا بذلك عن إعادته، وبالله التوفيق. .مسألة ما ورد في تقوى الله عز وجل: قال محمد بن رشد: ما أوصاه به من تقوى الله عز وجل يدخل تحته العمل بطاعة الله، وأن يزول مع القرآن حيثما زال؛ لأن من لم يعمل بطاعة الله ولم يزل مع القرآن حيث زال فلم يتق الله، لكنه لما قال له زدني بين له ما أجمله له من تقوى الله عز وجل الذي هو الأصل في كل شيء، به ينال ما عند الله. قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 52]. .مسألة الحض على اتباع السنن: قال محمد بن رشد: يريد عمر بقوله وولاة الأمر من بعده الخلفاء الراشدين المهتدين: أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ابن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهتدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ» وذلك مثل ما سنه عمر بن الخطاب من أن يكون السدس الذي قضى به أبو بكر الصديق لإحدى الجدتين لما ثبت عنده في ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه بينهما إن اجتمعتا فيه، فإن خلت به إحداهما كان لها، ومثل ما قضى به من عتق أمهات الأولاد بعد موت ساداتهن من رؤوس أموالهم، واحتج في ذلك فقال: خالطت دماؤنا دماءهن ولحومنا لحومهن؛ ومثل توفيته في حد الخمر ثمانين بما أشار به علي بن أبي طالب بقوله: ترى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وبالله التوفيق. .مسألة موضع المقام من البيت: قال محمد بن رشد: قد مضى هذا والقول فيه في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم فأكتفي بذلك عن إعادته مرة أخرى، وبالله التوفيق. .مسألة عزل العامل عن العمل بالشكاية: قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أن العامل يعزل عن العمل بالتشكي منه إذا كثر ذلك عليه وإن لم يثبت عليه ما يشكى به منه، إذ لا حق له في التمادي على الولاية وإن لم يحدث فيها ما يوجب عزله عنها، وبالله التوفيق. .مسألة حكاية عن سعيد بن المسيب في غلامه الآبق: قال محمد بن رشد: إباية سعيد بن المسيب أن يأخذ لعبده ثمنا وأن يحلل عبده مما صنع هو على ما يعرف من مذهبه في أنه كان لا يرى أن يحلل أحدا من تباعة له عليه ويرى ذلك أفضل. وقد مضى الكلام على ذلك والاختلاف فيه في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم. وأما قوله وهو في النار فمعناه الذي أراد أنه في النار إذ أبق مني وقاتل بغير إذني ليذكر بالشجاعة، إن لم يغفر الله له. فقد جاء في الحديث: أن «أول خلق. تسعر بهم النار يوم القيامة رجل قاتل ليقال فلان جريء؛ حتى قتل، ورجل تصدق ليقال فلان جواد، ورجل قرأ القرآن وقام به ليقال فلان قارئ» في حديث طويل قد ذكرته بطوله في صدر كتاب المقدمات، وبالله التوفيق. .مسألة بعض الأنبياء أفضل من بعض: قال محمد بن رشد: قد تقدم هذا والقول فيه في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق. .مسألة من يخرج من النار: قال محمد بن رشد: الحديث بهذا صحيح خرجه البخاري وغيره، ومعناه أن العصاة من المؤمنين الذي استوجبوا النار بذنوبهم يخرجون من النار بشفاعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا يبقى فيها من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. وتصديق ذلك في كتاب الله قوله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8]. فقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وعد من الله عز وجل على عمومه لابد أن يكون؛ لأن الله لا يخلف الميعاد. وأما قوله عز وجل: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] فهو وعيد ليس على عمومه، ومعناه فيمن لا يغفر له؛ لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]. وقد قيل في وعيد الله عز وجل إنه ليس بحتم قد ينفذه وقد لا ينفذه؛ لأن الخلف في الوعيد من صفات المدح قال الشاعر: والأول هو الصحيح أن الوعيد متوجه إلى من علم الله عز وجل أنه ينفذ عليه الوعيد ولا يغفر له. وفي قوله: مثقال ذرة من إيمان دليل على أن الإيمان يتفاضل. وفي معنى تفاضل الإيمان وزيادته ونقصانه اختلاف قد ذكرناه وحصلنا القول فيه في صدر كتاب المقدمات. فقوله في الحديث «إنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» معناه من كان معه من الإيمان أدنى مراتبه التي إن نقص منه شيء عاد شكا أو كفرا. وتفاضله بقوة اليقين فيه والعلم به والبعد من طروء الشكوك عليه. والإيمان ليس بجسم فيعبر بالوزن. فقوله فيه مثقال حبة من إيمان إنما هو تمثيل، وقد يمثل ما يعقل ولا يوزن بما يعلم مما يوزن ليفهم المعنى فيه، وبالله التوفيق. .مسألة فضل هشام بن حكيم: قال محمد بن رشد: هشام بن حكيم بن حزام القرشي الأسدي هذا أسلم يوم الفتح، وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر. روي عن ابن شهاب أنه قال: كان هشام بن حكيم في نفر من أهل الشام يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ليس لأحد عليهم إمارة، وكان جزلا جلدا قويا في ذات الله لا يخاف في الله لومة لائم. وكفى من صفته بهذا قول عمر بن الخطاب فيه: أما ما بقيت أنا وهشام فلا يكون هذا، وبالله التوفيق. .مسألة كراهة السؤال عما لا تلزم معرفته وعن المشكلات: قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، ومن الحجة فيه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه». وقد مضى في رسم البز من سماع ابن القاسم في تفسير الراسخين في العلم ما فيه بيان هذا، وبالله التوفيق. .مسألة أن الله يظهر على عبده ما يخفيه من عبادة ربه: قال محمد بن رشد: يشهد بصحة هذا ما جاء «من أن من أسر سريرة ألبسه الله رداءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر» وبالله التوفيق. .مسألة الحض على حياطة الدين: قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين لا يحتاج إلى تفسير، وبالله التوفيق. .مسألة استحباب الدعاء في حوائج الدنيا: قال محمد بن رشد: وقعت هذه الحكاية في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم بزيادة المعنى الذي من أجله قال له الشيخ لا تكره ذلك، وهو أنه قال: فرغبت فيها ونصبت واجتهدت، ثم ندمت بعد ذلك فقلت: لو كان دعائي هذا في حاجة من حوائج آخرتي، فذكرت ذلك لشيخ كنت أجالسه فقال الحديث. وقوله فإن الله قد بارك لعبد في حاجة أذن له فيها بالدعاء، معناه قد بارك له في حاجة وفقه فيها للدعاء، إذ هو مأذون له في الدعاء في جميع حوائجه؛ لأن الدعاء عبادة من العبادة يؤجر فيها الأجر العظيم، أجيبت دعوته فيما دعا فيه أو لم تجب؛ لأنه لا يدعو ويجتهد في الدعاء إلا بإيمان صحيح ونية خالصة، ولن يضيع له ذلك عند الله، فإن الله عز وجل يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] فهذا وجه بركة تلك الحاجة عليه أن كانت سببا لانتفاعه بدعائه في آخرته وإن حرم المنفعة به في دنياه؛ لأن الذي أعطي خير من الذي حرم. وليس فيما جاء في الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما من داع يدعو إلا كان في إحدى ثلاث: إما أن يستجاب له، وإما أن يدخر له، وإما أن يكفر عنه» ما يدل على أنه لا يدخر له ولا يكفر عنه إذا استجيب له؛ لأن المعنى فيه إلا كان بين إحدى ثلاث: إما أن يستجاب له مع أن يدخر له أو يكفر عنه، وإما أن يدخر له، وإما أن يكفر عنه مع الاستيجاب له، وبالله التوفيق.
|